ندوة وطنية حول اصلاح منظومة التعليم اليوم 22 شتمبر 2018
كان إصلاح التعليم ولا يزال أشبه بمتاهة لا تنتهي، فما أن يدخل في مرحلة إصلاح حتى يدخل في أخرى قبل أن تنتهي المرحلة السابقة، فمنذ مرحلة ما بعد الاستقلال شهد ملف التعليم العديد من القرارات والإصلاحات المتتالية التي تبدأ وتنتهي دون أن تخضع لتقييم بشأن تحقق أهدافها من غيره. ويكاد عدد من المتتبعون يجمعون على أن إصلاح التعليم بالمغرب في حاجة إلى وصفة سحرية، بالنظر إلى النتائج غير المرضية التي تحققت على مدى عقود. وبالرغم من توالي المخططات الإصلاحية فإن النتائج المحققة تبقى دون الانتظارات. وزاد من ذلك اعتبار قطاع التعليم قطاع مكلفا تبحث الدولة عن مخرج لتمويله واتخاد خطوات تضعفه أكثر من تقويه بحسب أراء متتبعين، ومنها مسألة التوظيف بالتعاقد وتشجيع القطاع الخاص مقابل التفريط في المدرسة العمومية. في هذا الملف نستعرض أهم المحطات التي مر منها إصلاح التعليم بالمغرب منذ ما يعد الاستقلال إلى اليوم. وأراء عدد من الفاعلين والمهتمين بهذا الموضوع.
إصلاحات متتالية
جعلت الحكومة في صميم أولوياتها مسألة التنزيل الفعلي والعملي والمتجانس للرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي 2015-2030 “من أجل إرساء مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء”، التي أعدها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، حيث تمت ترجمة مضامين هذه الرؤية الاستراتيجية في مشروع القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، والذي تمت صياغته تنفيذا للتعليمات الملكية السامية لجلالة الملك الذي دعا الحكومة إلى “صياغة هذا الإصلاح في إطار تعاقدي وطني ملزم، من خلال اعتماد قانون-إطار يحدد الرؤية على المدى البعيد”.
ويهدف مشروع هذا القانون-الإطار، بحسب رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، إلى تحديد المبادئ والأهداف الأساسية لسياسة الدولة واختياراتها الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وذلك على أساس تحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص والجودة والارتقاء بالفرد والمجتمع، وضمان استدامة الإصلاح، ووضع قواعد لإطار تعاقدي وطني ملزم للدولة ولباقي الفاعلين والشركاء المعنيين. وانطلاقا من المحددات المرجعية للإصلاح التي تضمنتها الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030، كما تمت ترجمتها في مشروع القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، شرعت الحكومة فعليا في التنزيل التدريجي للإصلاح، وذلك على مستوى مختلف مكونات المنظومة التربوية الوطنية.
وحدد القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي جملة من التدابير والإجراءات اللازمة لضمان تعليم ذي جودة للجميع، وتتمثل أهم هذه التدابير والإجراءات في تجديد مهن التدريس والتكوين والتدبير، وإعادة تنظيم وهيكلة منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي وإقامة الجسور بين مكوناتها، ومراجعة المقاربات والبرامج والمناهج البيداغوجية، وإصلاح التعليم العالي وتشجيع البحث العلمي والتقني والابتكار، واعتماد التعددية والتناوب اللغوي، واعتماد نموذج بيداغوجي موجه نحو الذكاء، يطور الحس النقدي وينمي الانفتاح والابتكار ويربي على المواطنة والقيم الكونية.
وإذا كانت المنظومة التعليمية قد مرت بالعديد من المحطات الإصلاحية أخرها الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي 2015-2030، فإن العديد من المتتبعين يعتبرون أن الإصلاحات المتتالية التي شهدت المنظومة إصلاحات لم تؤت ثمارها، بالنظر إلى التخبط التي تعيشه وغياب أي تقييم لأي مخطط إصلاحي، حيث ما أن يتوقف إصلاح حتى تشرع الحكومة المعنية في إصلاح آخر دون تقييم الإصلاح السابق.
وفي هذا الإطار ترى فاطمة الشعبي عضو النقابة الوطنية للتعليم العالي، أنه بعد المخطط الاستعجالي جاءت إصلاحات أخرى، واليوم نتحدث عن إصلاح آخر والذي يتعلق بالرؤية الاستراتيجية 2015 – 2030.
وأكدت فاطمة الشعبي أنه قبل الحديث عن أي إصلاح أو الشروع في تنزيله، كان لابد من تقييم المخططات والإصلاحات السابقة للوقوف عند مكامن القوة والضعف، وأضافت أن هذا التقييم لم يتم للأسف، وعلى كل المستويات.
إن المسؤولين الحكوميين المتعاقبين في القطاع ، لا يجسدون استمرارية الإصلاحات، حيث يشتغل كل واحد منهم بمخططه وهو ما يضرب في الصميم استمرارية المخططات، وبالتالي تصبح كأنها لم تكن صالحة بتاتا، وإلا لما يستغني كل مسؤول حكومي عن مخطط سبق أن طرحه المسؤول الذي قبله، ويشرع هو الآخر في تنفيذ مخطط جديد، وهو نفس الأمر بالنسبة للرؤية الاستراتيجية الحالية، وأشار إلى أنه حيت التدقيق في هذه الاستراتيجية الجديدة سنجد أنها أخذت الكثير من برنامج الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والكثير من الأمور أيضا أخذت من الإصلاحات والمخططات السابقة، بالرغم من أنه لا يوجد هناك اعتراف بفشل الإصلاحات السابقة أو على الأقل القول بعدم جدواها.
وفي هذا السياق تم الاشارة إلى أن برنامج المخطط الاستعجالي الذي كان هاجسه الأساس هو الجانب المادي والميزانياتي، اتضح فيما بعد أن الإشكالية ليست في الجانب المالي أو في الميزانيات، بل في الحاجة إلى الرأسمال البشري، وهذا لا يعني أن البحث العلمي لا يحتاج إلى ميزانية ضخمة. وأكدت أن التعليم العالي بصفة عامة مفتاحه هو الرأسمال البشري والاستثمار في الموارد البشرية، وهذه الأمور لم تؤخذ بعين الاعتبار في برنامج المخطط الاستعجالي الذي ركز على الأمور المادية المتركزة في كل ما هو بناء وآليات ولوجيستيك وبنيات تحتية، من ناحية كل هذه الأمور جيدة لكنها أغفلت جانبا آخر أكثر أهمية وهو الرأسمال البشري.
بإن الإصلاح ح)سب المتدخلين لا يكتفي بإجراءات تستجيب لإكراهات مرحلية دون جعل المنظومة بأكملها تتأهل لمتطلبات المستقبل وجعل الرأسمال البشري في تطور مفيد للمجتمع وبيئته. وأكد على أن على الإصلاح المرتقب أن يتمكن فعلا من إرساء دعائم المدرسة الجديدة، تربية وتكوينا وعلى كل المستويات. مشير إلى أنه من الضروري أن تتوفر الإرادة السياسية الكاملة في بلورة سياسات عمومية تجعل من منظومة التربية والتكوين مجالا للاستثمار المعرفي لتمكين بلادنا وساكنتها من نهضة مجتمعية تعزز المواطنة في ” دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون.
تمويل التعليم
صرح رئيس الحكومة سعد الدين العثماني قبل سنوات أن الحكومة خصصت غلافا ماليا استثنائيا قدره 77 مليون درهم لتحسين ظروف الاستقبال والدراسة خلال الموسم الجامعي الحالي 2017-2018 وأبرز العثماني، في جوابه على سؤال محوري بمجلس النواب حول “استراتيجية الحكومة في إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي” في إطار الجلسات الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة، أنه في سياق تنزيل أسس ورافعات الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030، وتفعيلا لتوجهات البرنامج الحكومي 2016-2021 المتعلقة بإرساء منظومة متميزة للتعليم العالي، فقد تمت بلورة خطة استراتيجية لقطاع التعليم العالي والبحث العلمي تتضمن جملة من التدابير الهادفة إلى تعزيز العرض التعليمي الجامعي وتنزيل الإصلاح البيداغوجي الخاص بالتعليم العالي. من جهته أوضح محمد بوسعيد وزير الاقتصاد والمالية أن المغرب يرصد إمكانيات مالية هامة لقطاع التعليم، في حدود 6.5 في المائة من ناتجه الداخلي الخام مشيرا إلى أن المعدل العالمي لهذا الإنفاق يقدر بنحو 4.8 في المائة. وذكر أن الميزانية التي خصصتها الدولة لقطاع التعليم برسم السنة الحالية ناهز 60 مليار درهم، وأنه تم خلال سنة 2017/2018 خلق ما يزيد عن 55 ألف منصب شغل لفائدة القطاع، معتبرا أن هذا الجهد المالي ينبغي مواكبته بآليات تقييمية مستمرة لتجاوز مكامن الخلل لاسيما على مستوى الحكامة والشفافية.
وبالرغم من ذلك فإن متتبعين يرون أن تمويل التعليم سواء خلال ولاية الحكومة الحالية وحتى السابقة، لم يرق إلى المستوى المطلوب، فضلا عن كون تمويل التعليم ليس الاشكال الأساسي في حد ذاته،
أن إقرار رسوم التسجيل، التي اعتبرها العديدون محاولة الحكومة للبحث عن موارد جديدة لتمويل التعليم، سيشكل عرقلة جديدة لولوج التعليم العالي بالنسبة لجل الطلبة المتوجهين إلى مؤسسات الدولة، حيث إن الطلبة أبناء ما سمي بـ “العائلات الميسورة” لا يقصدون هاته الكليات اعتبارا منهم أنها لا تليق بمستواهم الاجتماعي كما يبقى إلى حد الآن غموض كبير وضبابية حول التمييز بين الأسر الميسورة وبين الأسر غير الميسورة. وأضاف أيضا أن هذا التصنيف لا يستقيم في الأصل على اعتبار أن الغالبية العظمى من المغاربة من الفقراء أو من الطبقات المتوسطة التي تكافح من أجل توفير الحدود الدنيا من مقومات العيش الكريم خاصة مع توسيع الهوة بين العائلات الغنية القليلة والسواد الأعظم من الجماهير الشعبية، مشيرا إلى أن التضامن الوطني من شأنه ضمان ولوج الجميع على قدم المساواة لتعليم عالي ذي جودة وعلى الدولة أن تفي بالتزامها في تعزيز تمويل التربية والتكوين وترشيد نفقاته وتدبير النفقات العمومية المرصودة له على أحسن وجه خدمة للصالح العام.
هزالة الإنفاق
يواجه قطاع التعليم تحديات عديدة، فيما يتعلق بالجودة والمردودية، والتي تبقى دون المستوى المطلوب مقارنة مع دول أخرى، وذلك بالرغم من الموارد المالية المخصصة له، والتي تمثل ما يناهز 6 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي حيث تم تخصيص مبلغ 59.2 مليار درهم للتربية والتكوين برسم قانون المالية لسنة 2018 أي بزيادة 5 مليار درهم مقارنة بميزانية 2017.
أن المغرب وإن كان يخصص ميزانيات مهمة لقطاع التعليم فإن ذلك لا يعني أنه ينفق عليه بالشكل المطلوب على اعتبار أن الناتج الداخلي الخام للمغرب يبقى متواضع مقارنة مع دول أخرى في نفس مستوى المغرب. و ان الحصة التي تصرف على كل تلميذ سنويا نجدها هي الأخرى جد متواضعة، وعلى سبيل المقارنة مثلا مع دولة كالبرتغال،
أن المغرب يصرف عشر (1 من 10) ما تصرفه البرتغال على كل تلميذ، وبالمقارنة مع فرنسا فالمغرب لا يصرف إلا 1 من 15 مما تصرفه فرنسا على كل تلميذ. وأوضح أنه أذا ما تم احتساب متوسط ما يصرفه المغرب على كل تلميذ، فإنه يقارب 4 آلاف درهم سنويا، غير أن الحصة لا يستفيد منها التلميذ بشكل مباشر إذ تشكل عمليات الاستثمار والصيانة وما يرتبط بالبنيات التحتية 90 في المائة منها، أما العملية التربوية من هذه الحصة، بحسب الصبيحي، فلا تتجاوز ما يقدر بما بين 250 و300 درهم لكل تلميذ سنويا، والتي تهم تجويد التعليم.
إلى جانب ذلك يشكل الإنفاق على البحث العلمي من أكبر نقط ضعف المنظومة التعليمية بالمغرب، حيث تقل نسبة الإنفاق عن 1 في المائة، وقال سعد الدين العثماني رئيس الحكومة في هذا السياق، إنه يتعين على المغرب أن يضاعف من مجهوداته فيما يخص التشريع وتمويل وهيكلة البحث العلمي والرفع من كفاءات الموارد البشرية وخلق جسور بين الجامعة والأوساط المنتجة، وأبرز أنه اعتبارا للتحديات التي تواجه المغرب بدأ اهتمام بهذا القطاع منذ سنة 1990، ولكن التحولات الفعلية لم تتحقق إلا ابتداء من سنة 1998، حيث تم، ولأول مرة، وضع استراتيجية وطنية للبحث العلمي مبنية على ثلاثة أهداف تتمثل في هيكلة وتنسيق البحث العلمي، وتحديد أولويات البحث العلمي مع تحديد مواضيعه ارتباطا بالنمو الاقتصادي والاجتماعي، والرفع من الاعتمادات المالية للبحث العلمي. وسجل أنه لتحقيق هذه الأهداف، يتحتم إحداث تغيرات مهمة على المستوى التشريعي والحكامة وتأهيل الموارد البشرية ورصد الإمكانات المادية، وأوضح أن الإجراءات التي تدخل في إطار الاستراتيجية الوطنية للبحث العلمي تشمل على الخصوص تحيين الاستراتيجية الوطنية للبحث العلمي والابتكار على المستوى القريب والمتوسط والبعيد، ومواصلة تفعيل عمل اللجنة الوزارية الدائمة للبحث العلمي والابتكار والتنمية التكنولوجية، ووضع منظومة حقيقية للبحث العلمي والابتكار، وتبسيط مساطر التدبير المالي والإداري لصرف الاعتمادات المخصصة للبحث العلمي مع تنويع مصادر تمويل البحث العلمي والابتكار، ووضع نظام معلوماتي مندمج في مجال البحث العلمي والابتكار.
وفي سياق مرتبط، فأن حكومة التناوب التوافقي الأولى، سبق أن خطت خطوات في الرفع من مستويات البحث العلمي، حيث أحدثت صندوق دعم البحث العلمي ووضعت هدف بلوغ نسبة 1 في المائة من الناتج الداخلي من الإنفاق على البحث العلمي، وهو ما خلق حينها حيوية في الجامعة بشراكة مع مؤسسات خارجية، وبدأت هذا المجهود يعطي بعض النتائج غير أن هذا المسار للأسف لم يستمر. وقال الصبيحي إن بعض الدول التي راهنت على البحث العلمي واستثمرت فيه حققت نتائج مبهرة، كمثال كوريا الجنوبية التي عولت كثيرا على البحث العلمي، حيث اتخذت قرار الزيادة في ميزانية التعليم العالي منذ بداية الستينات بـ 20 في المائة كل سنة، وهذا المخطط تم تطبيقه منذ الستينيات، واليوم نلاحظ المستوى الذي بلغته كوريا الجنوبية حيث استثمرت كثيرا في الموارد البشرية والبحث العلمي التطبيقي، مشيرا إلى أن المغرب انطلق في سنة 1998 ولكن المجهود التي تم حينها لم يستمر.
التعليم والتشغيل
وقعت الحكومة في 3 نونبر 2015 برنامج التعاون الثاني “الميثاق الثاني” والذي يهم مشروع “التربية والتكوين من أجل قابلية التشغيل”، مع هيئة تحدي الألفية الأمريكية ودخل حيز التنفيذ في يونيو 2017، واعتبرت الحكومة أن هذا المشروع يشكل قيمة مضافة للتدابير الإصلاحية المتخذة في هذا المجال، خاصة أن بلورة هذا المشروع تمت بتشاور مع القطاعات الوزارية الوصية ومع باقي المؤسسات وهيئات المجتمع المدني المعنية، بشكل يستجيب لمضامين الخطب الملكية ذات الصلة، ويحقق ملاءمته وتكامله مع أهداف الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 لإصلاح منظومة التربية والتكوين والاستراتيجية الوطنية للتكوين المهني 2021.
وخصص لهذا المشروع غلاف مالي قدره 220 مليون دولار، أسندت مهمة الإشراف على إنجازه للمؤسسة العمومية وكالة حساب تحدي الألفية-المغرب، والذي يهدف إلى تحسين قابلية تشغيل الشباب المغربي من خلال تحسين جودة وملاءمة برامج التعليم الثانوي والتكوين المهني والولوج المتكافئ إليهما، وذلك بهدف الاستجابة بشكل أفضل لحاجيات القطاع المنتج.
أن سوق الشغل بالمغرب سوق هش، كما أن نسبة التأطير داخل المقاولات المغربية نسبة جد محدودة، ويمكن تقديرها في حوالي 10 إلى 15 في المائة من الأطر في المقاولات، مضيفا أن حاجيات المقاولات غير مضبوطة، وبالتالي لا يمكن ربط التكوينات في مؤسسات التعليم العالي بحاجيات سوق الشغل، بالنظر إلى كون حاجيات هذا السوق ضعيفة جدا، زيادة على أن الاقتصاد المغربي اقتصاد غير مرتبط بمجتمع المعرفة. في جانب أخر أعتبر أن استمرار الجامعة في ارتباطها بمسالك أساسية تنتهي بولوج خريجيها لقطاع التعليم بالأساس يعتبر من بين نقط ضعف العلاقة بين التعليم وشوق الشغل. وأكد أن على الجامعة العمل على اقتراح تكوينات شبه موسوعية، ويعني ذلك أن تكون مجموعة من التكوينات مرتبطة فيما بينها، لأن الخريج في الوقت الراهن يفرض فيه أن يكون ملما بمجموعة من المعارف في مجالات متعددة دون أن يكون منغلقا على تخصص معين، حتى تكون لديه فرص واسعة للولوج إلى سوق الشغل.
إصلاح جديد
خلال السنة الماضية، أشعرت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي رؤساء الجامعات ومسؤولي التعليم العالي، بالشروع في عقد لقاءات جهوية تشمل عدد من الجامعات المغربية في مختلف الجهات، وذلك قصد مناقشة آليات تنزيل الرؤية الاستراتيجية 2015 – 2030، التي ستدخل تغييرات على مستوى المنظومة البيداغوجية في التعليم العالي، وتهم اللقاءات الجهوية التي ستعقد في الجامعات المغربية وفق توزيع زمني محدد، تقييم وتطوير النظام البيداغوجي بالتعليم العالي، وفي هذا الإطار أصدرت الوزارة مذكرة توجيهية، تلخص الأسس التي سينبني عليها الإصلاح الجديد.
ولتفعيل ورش الإصلاح الجديد، تم إعداد مخطط عمل كما تم تشكيل لجنة للتتبع على المستوى المركزي ستعمل على تأطير هذه العملية. وموازاة مع ذلك، سيتم تنظيم لقاءات بيداغوجية جهوية بالجامعات بمشاركة جميع الفاعلين المعنيين، تتوج بتنظيم لقاء وطني حول تقييم وتطوير النظام البيداغوجي.
وحسب المذكرة التوجيهية، من المنتظر أن تشكل اللقاءات الجهوية فرصة للنقاش والتفكير حول القضايا الجوهرية المتعلقة بالنظام البيداغوجي والخروج بمقترحات عملية من شأنها أن تسهم في وضع تصور جديد لنموذج بيداغوجي قوامه التنوع والانفتاح والنجاعة والابتكار يستجيب لمستلزمات الجودة، ويأخذ بعين الاعتبار حاجات المجتمع ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويرفع من قدرة خريجي الجامعات على الاندماج في الحياة المهنية.
إكراهات التعليم العالي
أوضحت المذكرة التوجيهية التي وجهتها الوزارة إلى رؤساء الجامعات المغربية ومسؤولي التعليم العالي، أن منظومة التعليم العالي بالرغم من التراكمات الايجابية التي تم تحقيقيها، لا زالت تواجه مجموعة من الإكراهات والتحديات، ولخصت المذكرة هذه الاكراهات في ضعف ملاءمة نظام التعليم العالي في صيغته الحالية مع تطلعات وانتظارات التنمية الوطنية بمختلف أبعادها، وكذا عدم مواءمة التكوينات مع الحاجيات الفعلية لسوق الشغل ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، زيادة على ضعف المردودية الداخلية والخارجية للمنظومة والتي تتجلي في ارتفاع نسبة الهدر الجامعي، وخاصة بسلك الإجازة، وتفاقم البطالة بين حاملي الشهادات الجامعية. هذا بالإضافة إلى عدم مواكبة التنظيم الجامعي الحالي لمستجدات العصر ومتطلبات المرحلة، وخاصة بالمؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح. وفي السياق ذاته، أشارت المذكرة إلى أن ضعف الترابط بين التعليم الثانوي والتعليم العالي على مستوى تحديد المناهج والبرامج، وكذا على مستوى المهارات والمعارف المكتسبة خلال المرحلة الثانوية (المكتسبات العلمية، اللغات، التواصل، التفكير النقدي، الثقافة الرقمية)، يشكل كذلك تحديا من التحديات إلى جانب ضعف وجود تقاطعات وامتدادات والجسور بين التكوينات والمسالك بمختلف المؤسسات الجامعية، وضعف نسبة المسالك الممهننة بالمؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح. وبناء على ذلك، أكدت المذكرة التوجيهية أن هذه التحديات المرتبطة بالاندماج الاجتماعي والاقتصادي لخريجي التعليم العالي الجامعي وملاءمة التكوينات مع الحاجيات الفعلية للقطاعات الاقتصادية والاجتماعية ومتطلبات سوق الشغل تفرض اعتماد مقاربات جديدة تضمن جاذبية وتنافسية النموذج البيداغوجي الوطني وترفع من مردوديته الداخلية والخارجية. وعلى هذا الأساس، تشير المذكرة، إلى الوزارة، وفي إطار مقاربة تشاركية لبلورة مقترحات عملية لتطوير النظام البيداغوجي بمؤسسات التعليم العالي، ستشرع في إطلاق ورش تقييم وتطوير هذا النظام، وفق أهداف ومحددات ومنهجية.
ويأتي إطلاق ورش تقييم وتطوير النظام البيداغوجي بالتعليم العالي استجابة لمجموعة من السياقات، ومنها، وفق المذكرة، التعليمات الملكية المتضمنة في خطب الملك بمناسبة عيد العرش لسنة 2010 وذكرى ثورة الملك والشعب لسنتي 2012 و 2013 وافتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية التاسعة لسنة 2014. هذا إلى جانب أسس ورافعات الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015 – 2030 “من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء” ، التي تم إعدادها من طرف المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وكذا الاستجابة للتحديات المطروحة على الصعيدين الوطني والدولي لتأهيل الرأسمال البشري وتطوير مجتمع المعرفة، وتماشيا أيضا مع الندوات السابقة التي نظمتها الوزارة منذ دخول الإصلاح حيز التطبيق، فضلا عن المحور الرابع من البرنامج الحكومي 2016 – 2021 ” تعزيز التنمية البشرية والتماسك الاجتماعي والمجالي”، وعلى الخصوص النقطة الخامسة منه، المتعلقة بإرساء منظومة متميزة للتعليم العالي، ثم برنامج عمل القطاع للفترة 2017 – 2021 .
كما تأتي المذكرة الرامية إلى تطوير منظومة التعليم العالي باعتبار هذا التعليم إحدى الدعائم الأساسية لمنظومة التعليم الجامعي ورافعة رئيسية لتحقيق الجودة المنشودة والرفع من نجاعة وفعالية التكوينات الملقنة. واورد المصدر ذاته، أن نظام التعليم عرف خلال السنوات الأخيرة عدة تحولات تمثلت أساسا في اعتماد الهندسة البيداغوجية الجديدة إجازة- ماستر- دكتوراه التي مكنت المنظومة من مسايرة التطور الذي تشهده العديد من منظومات التعليم العالي عبر العالم، وتسجيل العديد من المكتسبات سواء على مستوى تنويع ومهننة التكوينات، أو ضبط الجودة، أو الاستجابة لحاجيات الأوراش الكبرى والمشاريع المهيكلة من الموارد البشرية المؤهلة والمتخصصة.