أخبارأخبار عامةالأسرة و المجتمعصحافة

الوكيل العام للملك:القانون رقم 13.88طفرة لتعزيز حرية التعبير من خلال تكريسه لحرية إصدار الصحف والطباعة والنشر

ابابريس: قسم الاخار

كلمة السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة بمناسبة المؤتمر الإقليمي المنظم من طرف اليونسكو UNESCO لفائدة قضاة المنطقة العربية.

السلام عليكم ورحمه الله و الصلاة والسلام على رسول الله و آله و صحبه
إنه لشرف كبير أن أتواجد معكم في هذا اليوم المبارك لمشاركتكم في الجلسة الافتتاحية لهذا المؤتمر الإقليمي الهام الذي ينظمه المجلس الأعلى للسلطة القضائية بشراكة مع مكتب اليونسكو بالمغرب، والذي يتناول موضوعا ذا راهنية كبرى لتعلقه بدور القضاة في تعزيز حرية التعبير في المنطقة العربية.
وبهذه المناسبة أود أن أتقدم بخالص عبارات الشكر والامتنان للسيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والسيد مدير مكتب اليونيسكو بالمغرب على دعوتهما الكريمة للمشاركة في أشغال هذا اللقاء العلمي المتميز والذي التأم لجمعه نخبة من الشخصيات والخبراء الذين ستضفي مشاركتهم قيمة مضافة على نجاح أشغال المؤتمر.
حضرات السيدات والسادة؛
إن انعقاد أشغال هذا المؤتمر بمدينة الرباط يأتي في سياق تحولات عميقة تشهدها بلادنا في مختلف المجالات، في مقدمتها الإصلاحات التي عرفها مجال العدالة والتي توجت باستقلال السلطة القضائية بمقتضى دستور المملكة لسنة 2011. والذي ساهم في تعزيز مكانة حقوق الإنسان والحريات وفقاً لمنظور الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالموضوع وهو ما يتجلى من خلال إقرار الدستور لباب خاص (الباب الثاني) بالحريات والحقوق الأساسية.
واستحضارا لمكانة حرية التعبير ضمن مجال الحريات الأساسية للأفراد والجماعات، عمل دستور المملكة على دسترتها في الفصل 25 حيث نص في هذا الإطار على أن حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها، علما بأن هذه الحرية تتفاعل إيجابا وسلبا مع هو معتمد في الأوفاق الدولية، وما ينتظم من واجبات ومسؤوليات ضمن التشريعات الوصية للدول التي تعتمد الاتفاقيات الدولية في هذا المجال والتي تضبط توازن الواجبات والحقوق وتضمن التصدي لكل تجاوز لذلك.
ومن أجل ضمان التشبع الفعلي بحقوق وحريات الأفراد عزز دستور المملكة دور السلطة القضائية في هذا المجال، وهو ما يتجلى بشكل صريح من خلال الفصل 117 منه، والذي أناط بالقضاء مهمة حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وهو ما يدل على أن القضاء يعتبر ضمانة دستورية لكفالة ممارسة الأشخاص لحرياتهم بكل أشكالها.
وإذا كان الدستور قد أناط بالقضاة مهمة حماية الحقوق والحريات، فإن القانون التنظيمي رقم 106-13 وتاريخ 24/03/2016 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة ضمنت بدورها بموجب المادتين 37 و 47 للقضاة أنفسهم الحق في حرية التعبير مع مراعاة واجب التحفظ واحترام الأخلاقيات القضائية، هذا بالإضافة إلى حقهم في تأسيس جمعيات مهنية.
حضرات السيدات والسادة؛
إن تعزيز دور القضاء في تحسين وتطوير حرية التعبير في المنطقة العربية، أصبح مسألة استراتيجية في ظل مناخ عالمي موسوم بطابع حماية الحقوق والحريات. وما يزيد الأمر أهمية هو أن المنطقة العربية كانت ولاتزال محط العديد من التقارير الدولية التي تناولت وضعية حقوق الإنسان عموما وحرية التعبير على وجه التحديد. وهو الأمر الذي يجعلنا نفكر عميقا في الأدوار التي يجب على القضاء أن يتولى القيام بها من أجل المساهمة في تنزيل السياسات العمومية المتعلقة بتعزيز الحريات في مقدمتها حرية التعبير.
ولا يخفى عليكم أن النيابة العامة باعتبارها مكونا هاما من مكونات السلطة القضائية، تجد نفسها في صلب هذا النقاش، إذ أنها تعتبر الواجهة الأمامية في تدبير الشأن الحقوقي على المستوى القضائي، فما تملكه النيابة العامة من آليات ووسائل يجعلها تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر في هذا المجال، باعتبارها ضامنا أساسيا لممارسة الحقوق والحريات من منطلق دورها في تنفيذ السياسة الجنائية.
وفي هذا الإطار يعتبر موضوع حماية الحريات من بين الاهتمامات الأساسية للسياسة الجنائية وهو ما تؤكده العديد من الدوريات الصادرة عن رئاسة النيابة العامة في هذا الصدد والتي حثت قضاة النيابة العامة على ضرورة التصدي للانتهاكات الماسة بالحقوق والحريات بكل حزم وصرامة والأمر بإجراء التحريات والأبحاث بشأنها واستعمال السلطات التي يخولها لهم القانون من أجل صيانة تلك الحريات وعدم المساس بها.
حضرات السيدات والسادة؛
تعتبر التجربة المغربية، في مجال دعم مقومات ممارسة حرية التعبير تجربة رائدة يحتدى بها في العديد من المحافل الإقليمية والدولية، وفي هذا الإطار صدر بتاريخ 10/08/2016 قانون جديد للصحافة والنشر هو القانون رقم 13.88 والذي يشكل طفرة نوعية في مجال تعزيز حرية التعبير من خلال تكريسه لحرية إصدار الصحف والطباعة والنشر وضمان الحق في الوصول إلى مصادر الخبر والحصول على المعلومة من مختلف مصادرها بالإضافة إلى إلغاء جميع العقوبات السالبة للحرية بالنسبة للصحفيين الذين يشتبه في ارتكابهم لأفعال مخالفة لقانون الصحافة، وهو ما شكل قفزة نوعية في مجال دعم حرية التعبير والنشر ببلادنا .
ومواكبة من رئاسة النيابة العامة لهذه المقتضيات التشريعية فقد وجهت منشورا تحت عدد 6 س بتاريخ 12 يناير 2018 تطلب فيه من قضاة النيابة العامة بمحاكم المملكة تسهيل عملية الملاءمة مع أحكام القانون الجديد، وتقديم المساعدة اللازمة للصحفيين ليتسنى نجاح هذه الفترة الانتقالية.
ووعيا من رئاسة النيابة العامة بضرورة الإسهام الفعلي في حماية حقوق وحريات الأفراد المكفولة بمقتضى الدستور واستحضاراً منها للدور المنوط بقضاتها في هذا المجال، بادرت بتنسيق مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى وضع برنامج غير مسبوق خاص بالتكوين في مجال حقوق الإنسان يستهدف تعزيز قدرات القضاة في مجال تملك المعايير الدولية لحقوق الإنسان المنبثقة عن الاتفاقيات الأساسية التي صادقت عليها بلادنا، ولقد انصب هذا البرنامج على عدة محاور همت بالأساس الحقوق والحريات الأساسية بما في ذلك حرية التعبير، بالإضافة إلى الإطار المؤسساتي الوطني لحماية حقوق الإنسان وفي مقدمة ذلك دور القضاء في مجال حماية الحقوق والحريات.

فلا عبرة لحق أو حرية ما لم يوجد قانون يضمنها ومؤسسات تحميها، وهذا ما جعل الفقه القانوني يبادر منذ القرن 12 إلى تسمية القضاة بـ “الحراس الطبيعيين لحقوق الأفراد وحرياتهم” وذلك إيمانا منه بالدور الأساسي الذي يقوم به القضاء في حماية حقوق وحريات الأفراد والجماعات. كما عملت رئاسة النيابة العامة في إطار انفتاحها على محيطها الخارجي بخصوص ما يتصل بمجال تعزيز حرية التعبير على عقد دورات تكوينية لفائدة مجموعة من الصحفيين المهنيين العاملين في مجال العدالة بهدف تملكهم للمعلومة القانونية والقضائية هذا من جهة، ومن جهة ثانية عملت رئاسة النيابة العامة على تكوين قضاة ناطقين باسم النيابات العامة بمختلف محاكم المملكة، وذلك بشراكة مع المعهد العالي للإعلام والصحافة بهدف تعزيز التواصل مع الرأي العام بخصوص القضايا التي تستأثر باهتمامه وهي مبادرات تنضاف إلى أخرى تعكس المجهودات التي تقوم بها رئاسة النيابة العامة في مجال تعزيز حرية التعبير.

حضرات السيدات والسادة؛
إن انعقاد هذا المؤتمر الجهوي سيساهم بلا شك في تعزيز الوعي لدى القضاة بأهمية الأدوار التي ينبغي أن يضطلعوا بها في مجال حماية حرية التعبير بمختلف أشكالها، والأكيد أن أشغال هذا المؤتمر بما تحتوي عليه من محاور ومداخلات ستكون مناسبة سانحة لإغناء النقاش من أجل إذكاء الوعي الجماعي حول حماية الحقوق والحريات وتقاسم الأفكار والخبرات وتبادل الممارسات الفضلى في هذا المجال.

وفي الختام لا يسعني إلا أن أجدد الشكر لكل من السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والسيد مدير مكتب اليونيسكو بالمغرب على هذه الدعوة الكريمة، والشكر موصول إلى السادة الخبراء والأساتذة الذين سيؤطرون أشغال هذا اللقاء العلمي المتميز وكل من ساهم في تيسير سبل انعقاده من قريب أو بعيد، آملا أن يخرج بتوصيات ومقترحات قادرة على تعزيز دور القضاء في تعزيز الحقوق والحريات وذلك تفاعلا مع التوجيهات الملكية السامية التي وجهها صاحب الجلالة إلى المشاركين في المؤتمر الدولي الأول للعدالة حول موضوع استقلال السلطة القضائية بين ضمان حقوق المتقاضين واحترام قواعد سير العدالة الذي احتضنته مدينة مراكش في 02 ابريل 2018 والذي جاء فيه : “ونود في البداية، أن نشيد باختياركم لموضوع “استقلال السلطة القضائية بين ضمان حقوق المتقاضين واحترام قواعد العدالة” ليكون محورا لهذا المؤتمر، لما يكتسيه من أهمية بالغة، ومن راهنية على صعيد مختلف الأنظمة القضائية، التي تسعى إلى تعميق دورها في صون الحقوق والحريات” انتهى النطق الملكي السامي .
حفظ الله مولانا الإمام جلالة الملك محمد السادس أعزه الله ونصره وأقر عينه بولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وشد أزره بصنوه الرشيد الأمير مولاي رشيد وكافة أسرته الشريفة، إنه سميع الدعاء وبالإجابة جدير.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى